سورة الرحمن - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{فَإِذَا انشقت السماء فَكَانَتْ وَرْدَةً} أي حمراء كوردة وقرئت بالرفع على كان التامة فيكون من باب التجريد كقوله:
وَلَئِنْ بَقِيتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوَةٍ *** تَحْوِي الغَنَائِمِ أَوْ يَمُوتَ كَرِيمُ
{كالدهان} وهو اسم لما يدهن به كالحزام، أو جمع دهن وقيل هو الأديم الأحمر.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي مما يكون بعد ذلك.
{فَيَوْمَئِذٍ} أي فيوم تنشق السماء. {لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} لأنهم يعرفون بسيماهم وذلك حين ما يخرجون من قبورهم ويحشرون إلى الموقف ذوداً ذوداً على اختلاف مراتبهم، وأما قوله تعالى: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ} ونحوه فحين يحاسبون في المجمع، والهاء للإِنس باعتبار اللفظ فإنه وإن تأخر لفظاً تقدم رتبة.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي مما أنعم الله على عباده المؤمنين في هذا اليوم.
{يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم} وهو ما يعلوهم من الكآبة والحزن. {فَيُؤْخَذُ بالنواصى والأقدام} مجموعاً بينهما، وقيل يؤخذون {بالنواصى} تارة وب {الأقدام} أخرى.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ هذه جَهَنَّمُ التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون يَطُوفُونَ بَيْنَهَا} بين النار يحرقون بها. {وَبَيْنَ حَمِيمٍ} ماء حار. {آنٍ} بلغ النهاية في الحرارة يصب عليهم، أو يسقون منه، وقيل إذا استغاثوا من النار أغيثوا بالحميم.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب، أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه، أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين فأضيف إلى الرب تفخيماً وتهويلاً، أو ربه و{مَّقَامِ} مفخم للمبالغة كقوله:
ذَعَرَّتُ بِهِ القَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُ *** مَقَامَ الذِّئْبِ كَالرَّجُلِ اللَّعِينِ
{جَنَّتَانِ} جنة للخائف الإِنسي والأخرى للخائف الجني، فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما أو لكل واحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله، أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعاصي، أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه، أو روحانية وجسمانية وكذا ما جاء مثنى بعد.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} أنواع من الأشجار والثمار جمع فِنْ، أو أغصان جمع فنن وهي الغصنة التي تتشعب من فرع الشجرة، وتخصيصها بالذكر لأنها التي تورق وتثمر وتمد الظل.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} حيث شاؤوا في الأعالي والأسافل. قيل إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل. {فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.
{فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} صنفان غريب ومعروف، أو رطب ويابس.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} من ديباج ثخين وإذا كانت البطائن كذلك فما ظنك بالظهائر، و{مُتَّكِئِينَ} مدح للخائفين أو حال منهم، لأن من خاف في معنى الجمع. {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} قريب يناله القاعد والمضطجع، {وَجَنَى} اسم بمعنى مجني وقرئ بكسر الجيم.


{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِنَّ} في الجنان فإن جنتان تدل على جنان هي للخائفين أو فيما فيهما من الأماكن والقصور، أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش. {قاصرات الطرف} نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن. {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} لم يمس الإِنسيات إنس ولا الجنيات جن، وفيه دليل على أن الجن يطمثون. وقرأ الكسائي بضم الميم. {فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.
{كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} أي حمرة الوجنة وبياض البشرة وصفائهما.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ هَلْ جَزَاء الإحسان} في العمل. {إِلاَّ الإحسان} في الثواب وهو الجنة.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين {جَنَّتَانِ} لمن دونهم من أصحاب اليمين.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ} خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة، وفيه إشعار بأن الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض، وعلى الأوليين الأشجار والفواكه دلالة على ما بينهما من التفاوت {فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.
{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} فوارتان بالماء هو أيضاً أقل مما وصف به الأوليين وكذا ما بعده.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} عطفهما على الفاكهة بياناً لفضلهما، فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء وثمرة الرمان فاكهة ودواء، واحتج به أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على أن من حلف لا يأكل فاكهة فأكل رطباً أو رماناً لم يحنث. {فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.
{فِيهِنَّ خيرات} أي خيرات فخففت لأن خيراً الذي بمعنى أخير لا يجمع، وقد قرئ على الأصل. {حِسَانٌ} حسان الخَلْقِ وَالخُلُقِ.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ حُورٌ مقصورات فِى الخيام} قصرن في خدورهن، يقال امرأة قصيرة وقصورة ومقصورة أي مخدرة، أو مقصورات الطرف على أزواجهن.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} كحور الأولين وهم أصحاب الجنتين فإنهما يدلان عليهم.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ} وسائد أو نمارق جمع رفرفة. وقيل الرفرف ضرب من البسط أو ذيل الخيمة وقد يقال لكل ثوب عريض. {خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسَانٍ} العبقري منسوب إلى عبقر، تزعم العرب أنه اسم بلد للجن فينسبون إليه كل شيء عجيب، والمراد به الجنس ولذلك جمع {حِسَانٌ} حملاً على المعنى.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ تبارك اسم رَبّكَ} تعالى اسمه من حيث إنه مطلق على ذاته فما ظنك لذاته، وقيل الإِسم بمعنى الصفة أو مقحم كما في قوله:
إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلاَمِ عَلَيْكُمَا ***
{ذِى الجلال والإكرام} وقرأ ابن عامر بالرفع صفة للإِسم.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الرحمن أدى شكر ما أنعم الله تعالى عليه».

1 | 2